ما الذي ينتظر الاقتصاد التركي في 10 كانون الأول الجاري؟

ما الذي ينتظر الاقتصاد التركي في 10 كانون الأول الجاري؟

حالة من التذبذب سادت الوضع الاقتصادي التركي في الآونة الأخيرة، فما بين تراجع سعر صرف الليرة التركية وارتفاع الناتج المحلي الاجمالي في الربع الثالث للعام الجاري اختلف المحللون بشأن ما ينتظر الليرة التركية والاقتصاد التركي، خاصةً في ظل وجود الكثير من الأحداث والظروف التي أثرت سلباً وإيجاباً على الاقتصاد التركي، ولكن أهم هذه الأحداث لم يأتي بعد، وهو القمة الأوروبية المقرر انعقادها في 10 كانون الأول الجاري، فما الذي تحمله معها هذه القمة؟ وكيف ينظر الاقتصاد التركي لها؟

أعلن المجلس الأوروبي في 4 كانون الأول عن استعداد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا لأنها لم تخفض التصعيد في أزمتها مع اليونان، مما عزز المخاوف لدى المستثمرين في تركيا، فالاقتصاد التركي معتمد بشكل كبير على الأسواق الأوروبية والصادرات التركية إلى أوروبا تشكل ما بين 45% إلى 50% من إجمالي صادرات تركيا إلى العالم، بالإضافة إلى أن جزء كبير من العملة الصعبة التي تدخل تركيا عن طريق الحركة السياحية تأتي من أوروبا، لذلك فإن فرض عقوبات أوروبية على تركيا سوف يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد التركي والليرة التركية، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة من تراجع في الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا وما أصاب الاقتصاد التركي من أضرار هذه الجائحة، كما أن الاضطرابات الحاصلة في المنطقة بشكل عام كان لها أثر سلبي على حركة الاستثمار في تركيا، ولكن يبقى السؤال هل لدى تركيا أسواق بديلة عن الاتحاد الأوروبي؟ وهل فعلاً الاتحاد الأوروبي قادر على التأثير سلباً بالاقتصاد التركي؟

بالنظر للأرقام المتعلقة بالاقتصاد التركي سوف نرى بأن تركيا لم تصنع أسواق بديلة عن الأسواق الأوروبية فقد استحوذت الأسواق الأوروبية على النسبة الأكبر من صادرات تركيا حيث أنها حلت في المرتبة الأولى، ويفصل بينها وبين المرتبة الثانية فارق كبير، أما بالحديث عن قدرة تركيا على صنع أسواق بديلة فقد يكون من الصعب تحقيق الأمر بشكل سريع وذلك بسبب ما تعانيه الدول من أزمات اقتصادية ناتجة عن جائحة كورونا بالإضافة إلى العلاقات السياسية التركية الغير جيدة مع بعض دول المنطقة.

من جانب أخر فإن الدول الأوروبية أيضاً تعاني من أزمة اقتصادية حقيقة خاصةً وأن جائحة كورونا أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد الأوروبي مما تسبب بتراجع في النمو واقتراب شبح الركود والكساد من الأسواق الأوروبية، الأمر الذي دفع الحكومات الأوروبية إلى العمل بجهد من أجل إعادة الحركة إلى الأسواق الأوروبية وبالتالي قد يكون من الصعب عليهم اتخاذ قرارات تمنع الحركة الاقتصادية مع دولة حدودية للاتحاد الأوروبي وقوية اقتصادياً مثل تركيا، ومن جهة ثانية فإن ألمانيا التي تملك أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي تعتبر شريك تجاري حقيقي لتركيا، فتركيا تستورد ثلث صادرات ألمانيا من الأسلحة سنوياً وألمانيا تستحوذ على النسبة الأكبر من الصادرات التركية إلى أوروبا، ولهذا السبب قامت ألمانيا أكثر من مرة بعرقلة العقوبات الأوروبية على تركيا ودعت لاتباع لغة الحوار والتهدئة، ولذلك قد لا يكون من السهل فرض عقوبات اقتصادية أوروبية على تركيا، وفي حال تم فرض عقوبات فقد لا تكون قاسية ومؤثرة بشكل كبير، خاصةً وأن كلا الجانبين يحتاجان بعضهما البعض في الفترة الحالية والمقبلة من أجل محاولة الخروج من الركود الاقتصادي الناتج عن جائحة كورونا.

من الواضح بأن تركيا لن تتراجع عن حقها في مياه المتوسط وأنها ذاهبة حتى النهاية في أي مواجهة، ومن الواضح أيضاً بأن هذا الأمر يقلق الأوروبيين لذلك هم يحاولون حل هذه المشكلة، ولكن الوضع الاقتصادي الحالي في العالم وأوروبا يفرض على الحكومات الأوروبية اتباع أقل الحلول تكلفة لحل النزاعات مع تركيا، وقد يكون أقل الحلول تكلفة هو التهدئة والحوار.

الأيام القادمة سوف تحسم الكثير من الجدل والجميع حالياً ينتظر 10 كانون الأول الجاري، ولكن مهما كانت القرارات الناتجة عن القمة الأوروبية فهي لن تكون نهاية المواجهة مع تركيا، ومن المؤكد وبأن كل طرف يملك أوراق ضغط خاصة به ويستطيع استخدامها عندما يريد.

الدفع

USD