الكثير من دول العالم، قامت بإنشاء أسواق اقتصادية مشتركة فيما بينها، وخاصةً الدول المتجاورة التي تجمعها مصالح اقتصادية مشتركة، فالأسواق الاقتصادية المشتركة تنشط الحركة الاقتصادية وتدعم التبادل التجاري وتبادل الخبرات، وفي حال كانت اقتصادات هذه الدول مكملة لبعضها، عندها تزداد الأهمية الاقتصادية لهذه السوق المشتركة، لأنها تعزز عملية المقايضة التجارية بين الدول، ومن المعروف بأن عملية المقايضة تعتبر الملاذ المفضل للدول التي لا تمتلك أموال لشراء مستلزماتها فتحاول المقايضة بمواد وسلع تمتلكها، وهذا أمر يدعم الاستقرار الاقتصادي والاكتفاء الذاتي للدولة، ولذلك كان دائماً يزداد حديث الدول عن الأسواق المشتركة عندما تعاني من أزمة اقتصادية، وباعتبار الوضع الاقتصادي في سوريا ولبنان دائماً يعاني من أزمة، فالحديث عن سوق اقتصادي مشترك كان دائماً موجود، حيث أن سوريا ولبنان والعراق والأردن دول متجاورة مرتبطة ببعضها اقتصادياً، وفي حال تم إقامة سوق مشتركة فيما بينها، قد يتحرك الاقتصاد في المنطقة بشكل إيجابي يعود بالفائدة على الجميع، وفي الآونة الأخيرة بعد أن اشتدت الأزمة الاقتصادية في سوريا ولبنان، ووصل سعر صرف الدولار الأمريكي لمستويات قياسية، ازداد الحديث عن سوق مشتركة، وكان اخر المتحدثين هو الرئيس اللبناني ميشال عون، حيث أعلن المستشار السياسي والإعلامي لرئيس الجمهورية اللبنانية “أنطوان قسطنطين” أن الرئيس ميشال عون يستعد لطرح مبادرة سعياً لإقامة سوق اقتصادية مشتركة، تضم لبنان والأردن والعراق وسوريا، وتتكامل مع السوق العربية الأوسع بحسب ما نشره على حسابه في تويتر.
هذا المشروع ليس وليد اللحظة فهو مطروح منذ زمن، ولكن لماذا لم يتحول إلى واقع؟ أو بمعنى أدق، هل يمكن تحويله إلى واقع؟
هل من الممكن إقامة سوق اقتصادية مشتركة بين سوريا والعراق ولبنان والأردن؟
بما أن الاقتصاد متداخل بالسياسة في دول العالم عامةً والشرق الأوسط خاصةً، فلا يمكن الإجابة على هذا السؤال بدون النظر للأوضاع السياسية لهذه الدول، فما يحتاجه الاقتصاد قد لا تسمح به السياسة، والعكس صحيح، وبالنظر لما تفرضه السياسة في هذه الدول، نجد عدة أسباب تمنعها من إقامة سوق اقتصادية مشتركة وأبرز هذه الأسباب:
- الصراع السياسي والعسكري في سوريا وما نتج عنه من أزمة اقتصادية، خاصة في ظل عدم وجود مؤشرات لبداية انتهاء الأزمة.
- الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان والتباعد التام للأطراف السياسية، بالإضافة للخوف المتزايد من الانهيار الكامل للدولة.
- العلاقات السورية الأردنية المتوترة منذ بداية الأزمة في سوريا.
- تأثير دول إقليمية ودولية على قرارات الدول الأربعة (سوريا والعراق ولبنان والأردن)، والتي قد تعرقل إقامة سوق اقتصادية مشتركة لأنها تعارض مصالحها.
- العقوبات الغربية على سوريا بما فيها قانون قيصر تمنع تماماً قيام هكذا سوق، خاصةً وأن قانون قيصر يعاقب أي شركة تتعامل مع سوريا.
- عدم وجود تكامل اقتصادي حقيقي بين هذه الدول، حيث أنها تقريباً تتشارك بالصادرات والواردات، وبالتالي لن تثمر هذه السوق الاقتصادية عن مقايضة تجارية فعالة بين هذه الدول.
الوضع المعقد لهذه الدول الأربعة منعها من إقامة سوق اقتصادية مشتركة عندما كانت شبه مستقرة (فهي لم تمر بمرحلة استقرار حقيقي منذ التأسيس)، أما اليوم فالأمر أصبح أصعب وأعقد بكثير، خاصةً وأن الرؤية ضبابية تماماً لمستقبل المنطقة، والتقارب بين أطراف الصراع في المنطقة حالياً شبه معدوم، وبالتالي من غير الممكن حالياً إقامة سوق مشتركة أو اتفاقيات اقتصادية فعالة، فالاقتصاد لا يعيش في منطقة لا يحكمها الاستقرار.