أقر قادة الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأخير حزمة عقوبات جديدة ضد تركيا بسبب تمسكها بحقها في شرق المتوسط، ونص القرار على حظر شخصيات وشركات تركية مسؤولة عن عمليات التنقيب في منطقة شرق التوسط من التأشيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي وتجميد الاصول.
وفي سياق متصل أفادت عدة مصادر مطلعة بأن الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها العام الماضي منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس 400″، ولكن السؤال المهم بالنسبة للجميع
ما هو التأثير المتوقع للعقوبات الأوروبية والأمريكية على الاقتصاد التركي؟
بالنظر لتوجه الاتحاد الأوروبي إلى تخفيض سقف العقوبات بحيث تقتصر على الشركات المسؤولة عن التنقيب فهي إشارة واضحة من الاتحاد الأوروبي بأنه لا يريد استهداف عمق الاقتصاد التركي، فمن لديه اطلاع على الاقتصاد التركي ومقوماته يعرف جيداً بأنه لا يعتمد على النفط والغاز، بل على العكس فهو اقتصاد متنوع وتشكل بالنسبة له الصادرات الغير نفطية رديف قوي، ولو كانت النية الحقيقية للقادة الأوروبيين هي التصعيد مع تركيا اقتصادياً لذهبوا باتجاه تقليص حجم الصادرات التركية التي تدخل أوروبا، ولكن القادة الأوروبيين يعرفون جيداً بأنه من الصعب التصعيد مع تركيا، فالموقع السياسي والجغرافي الحساس والاقتصاد القوي منحا تركيا أوراق ضغط قد تربك الأوروبيين في حال تم استخدامها، ولذلك اقتصر هدف العقوبات على حفظ ماء الوجه الأوروبي بحيث لا يظهر الاتحاد الأوروبي بمظهر الضعيف أمام الوجود التركي في شرق المتوسط، خاصةً وأن الواقع الاقتصادي الأوروبي المتأزم وشبح الركود المقترب من الأسواق الأوروبية لا يسمحان للأوروبيين بتحقيق هدف أكثر من حفظ ماء الوجه، كما أن الشراكة التجارية المهمة التي تجمع تركيا مع بعض الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا التي تملك أقوى اقتصاد في أوروبا كان لها دور في وجود أصوات أوروبية تدعو للتهدئة واتباع لغة الحوار بحيث لا تتأزم العلاقات السياسية بين أوروبا وأنقرة.
أما بالنسبة للعقوبات الأمريكية فهي لم تتضح حتى الآن ولكن رجح أكثر من مصدر مطلع بأنها سوف تكون حزمة خفيفة لن تتجاوز قطاع الصناعات الدفاعية التركية، وبالتالي لن تستهدف مقومات الاقتصاد التركي، خاصةً وأن البلدين بحاجة لبعضهما في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة.
الوضع العام حتى اللحظة يدل على أن العقوبات الأوروبية والأمريكية لن تؤثر على الاقتصاد التركي بسبب عدم وجود نية حقيقة من أي طرف بالتصعيد، فمن الواضح بأن جميع القادة يقرأون الواقع جيداً ويعرفون بأن الوضع الاقتصادي العالمي المتأزم لم يترك مجال واسع للمناورة، ومن الواضح أيضاً بأن تركيا متمسكة بسيادتها على أراضيها وضمن مياهها الإقليمية وبأنها لا يمكن أن تتراجع عن حقها في مياه شرق المتوسط، وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية والسياسية من المرجح أن يلجأ الجميع إلى خيارات أكثر سلمية تميل إلى التهدئة وانعاش الاقتصاد، وبالتالي الابتعاد عن التصعيد والمواجهات المباشرة.