الارتفاع الكبير بالأسعار في سوريا لا يقتصر على ما هو مستورد. بل يمتد ليشمل حتى المواد التي يتم انتاجها محلياً إما بسبب ضعف الإنتاج أو بسبب الهدر. وبالحالتين أصل السبب يكمن بسوء الإدارة الواضح لموارد الدولة السورية. وكمثال على ذلك. وصل مؤخراً سعر تنكة زيت الزيتون في سوريا وزن 16 كغ إلى 240,000 ل.س بعد أن كان حوالي 30,000 نهاية عام 2019. ليكون بذلك قد ارتفع سعر تنكة زيت الزيتون 210,000 ل.س.
تأثير سوء الإدارة على زيت الزيتون تسبب برفع سعر المادة بشكل كبير جداً. ولكن تأثيره على مواد أخرى مثل القمح والقطن والموز والكثير من المنتجات الزراعية كان أشد. حيث أن كثير من المواد التي كانت تُزرع وتُنتج في سوريا أصبحت اليوم تستورد وبأسعار خيالية. لترهق بذلك القدرة الشرائية الضعيفة للمواطن السوري. ولتصبح المواد التي كانت تُنتج في سوريا وتُصدر للخارج سلعة نادرة مخصصة للطبقة الثرية في البلاد.
أبرز أسباب ارتفاع أسعار المواد المنتجة محلياً:
يعتبر العديد من الخبراء بأن أهم أسباب ارتفاع أسعار المواد المنتجة محلياً في سوريا هو قيام بعض التجار بالتعاون مع السلطة الحاكمة في سوريا بتهريبها بطرق غير شرعية لخارج الدولة السورية بهدف توفير العملة الصعبة وتمويل بقائهم بالسلطة في سوريا. وعلاوةً على ذلك فإن احتكارهم للسوق ومنع وجود أي منافسين كان له دور سلبي واضح وكبير على الأسعار في سوريا. كما أن بعض الظروف والأزمات ساهمت في زيادة حجم المشكلة. مثل الحرائق التي حدثت في جبال الساحل والتي أدت إلى دمار الكثير من الأراضي المزروعة بالزيتون. وحالة الجفاف التي أصابت البلاد العام الفائت وقطع تركيا المياه عن نهر الفرات كلها أسباب أدت إلى تفاقم المشكلة وتسببت بضرر مباشر للسوريين.
الحكومة السورية تعمل بوجهين:
بعد أن وصل سعر تنكة زيت الزيتون إلى 240,000 ل.س. أصدر حسين عرنوس (رئيس مجلس الوزراء) قراراً يقضي بإيقاف تصدير مادة زيت الزيتون مؤقتاً. وذلك بناءً على توصية اللجنة الاقتصادية بإيقاف تصدير مادة زيت الزيتون المعبأة بعبوات تزيد سعتها عن خمس ليتر حتى نهاية العام الحالي. مع العلم أنه وقبل أيام صرحت مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة (عبير جوهر) أن “زيت الزيتون المحلي منتج تصديري بامتياز ومرغوب في الأسواق العالمية”. مؤكدةً أنه في حال منع تصدير زيت الزيتون فإن الفلاح سيتضرر وبالتالي سيتوقف عن الإنتاج.
إصدار مجلس الوزراء السوري لقرار منع تصدير زيت الزيتون دفع اعلاميين سوريين لمهاجمة الحكومة وتذكير السوريين بأن القرارات من هذا النوع تستهدف فقط المزارع الفقير. خاصةً وأن جميع المهربين المقربين من أجهزة الأمن بعيدين كل البعد عنها. فالقرار يمنع التصدير ولكن من سيمنع ويعاقب المهربين المدعومين المستفيدين من هكذا قرارات. الأمر الذي دفع السوريين لاعتبار قرار الحكومة مؤامرة (قانونية) مفضوحة لمساعدة المهربين المقربين من أجهزة الأمن على احتكار تصدير زيت الزيتون.
انتاج زيت الزيتون في سوريا انخفاض بنحو 24%:
انخفض إنتاج الزيتون في سوريا هذا الموسم بحوالي 205,010 طن عن الموسم الماضي (تقريباً 24% عن إنتاج الموسم السابق). حيث يقدر الإنتاج هذا الموسم بحوالي 645,331 طن في حين كان إنتاج الزيتون عام 2020 في سوريا 850,341 طن. أما إنتاج زيت الزيتون للموسم الحالي يقدّر بـ 103,000 طن منخفضاً بذلك عن الموسم الماضي بمقدار 37,000 طن (تقريباً 26% عن إنتاج الموسم السابق). حيث كان إنتاج زيت الزيتون عام 2020 في سوريا 140,000 طن.
وحسب كلام مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة (عبير جوهر) فإن استهلاك زيت الزيتون في سوريا يصل إلى حدود 80,000 طن في كل موسم. حيث أن دخل المواطن السوري لا يسمح له باستهلاك أكثر من 3 – 4 كيلو زيت زيتون شهرياً. فيما يعتبر الباقي فائض للتصدير.
ماذا لو امتنع الفلاحون عن إنتاج زيت الزيتون أو بيعه؟
اعتبر مراقبون بأن تعامل الحكومة السورية مع مادة مهمة مثل زيت الزيتون بإهمال وسوء إدارة وفساد وسرقة سوف يترتب عليه نتائج كارثية على المدى القريب والبعيد. لأن الفلاحون المنتجون سوف يمتنعون عن الإنتاج وبالتالي كمية العرض سوف تنخفض والأسعار سوف ترتفع أكثر. وقد يصل سعر تنكة زيت الزيتون في العام القادم إلى 2,000,000 ليرة سورية. وقد يتجاوز السعر ذلك خاصة مع الانهيار الاقتصادي في سوريا وزيادة معدل التضخم.