ليست حادثة إيفر غيفن هي الأولى من نوعها في المنطقة، فقد سبقها عدة حوادث استهدفت ناقلات نفط وسفن تجارية في الخليج العربي والبحر الأحمر، حيث ازدادت كثافة هذا النوع من الهجمات مع ازدياد التوتر السياسي والعسكري في المنطقة ليعيد للذاكرة “حرب الناقلات” التي شهدتها المنطقة ما بين عامي 1980 و1988، فخلال الأعوام الماضية تم تسجيل عدة هجمات وتفجيرات استهدفت ناقلات نفط وسفن تجارية بدون معرفة الجهة المنفذة، وقد اقتصرت ردود الأفعال الرسمية على تبادل للاتهامات بشكل مباشر أو غير مباشر بين أطراف الصراع السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة، وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال فمنذ عام 2019 قامت إسرائيل باستهداف نحو 12 ناقلة نفط إيرانية كانت متجهة إلى سوريا، كما وقد اتهمت إسرائيل إيران باستهداف سفينة شحن إسرائيلية تعرضت لتفجير في بحر عمان، بالإضافة لاتهامها أواخر شهر فبراير الماضي بالتسبب بتسرب بقعة سوداء من القطران في البحر المتوسط قبالة سواحل فلسطين المحتلة وصلت حتى السواحل اللبنانية، الأمر الذي تسبب بكارثة بيئية قد تمتد آثارها لعقود، مع العلم بأنه بحسب ما جاء في صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية فإن حكومة إسرائيل قد أصدرت أمر بحظر النشر حول التفاصيل الحساسة المتعلقة بالتحقيق الذي تجريه بخصوص هذا التسرب النفطي، حيث قامت محكمة إسرائيلية وبخطوة أثارت الشبهات ، بإصدار أمر حظر النشر بشأن التحقيق، مانعةً بذلك وسائل الإعلام من نشر أي تفاصيل يمكن أن تحدد هوية الجهة أو السفن المسببة للتسرب أو حمولتهم أو حتى وجهتهم وميناء المغادرة، وقد نفت إيران هذه الاتهامات الإسرائيلية، وبعد هذه الحادثة بأيام قليلة صرحت شركة الملاحة البحرية الإيرانية يوم الجمعة 12 مارس بأن سفينة شحن إيرانية تعرضت لهجوم في البحر المتوسط نتج عنه أضرار، وقد وصفة الحادثة بأنها إرهاب وقرصنة بحرية، كما صرحت بأنها ستتخذ إجراءات قانونية لتحديد الجناة والمسببين.
أحداث غير عادية، تعاقبت على المنطقة وجميعها استهدفت ناقلات نفط وسفن تجارية، الأمر الذي يدعو للشك بأن حادثة سفينة إيفر غيفن التي أغلقت قناة السويس قد تكون مدبرة وهنالك من يقف خلفها، خاصةً وأن التهديد المباشر والغير مباشر بإغلاق المضائق البحرية كان يزداد مع كل تصعيد في المنطقة، وبمثل هذه الظروف فمن الطبيعي أن يتم طرح بعض الأسئلة:
كيف تمكنت رياح قوية وعاصفة ترابية من التأثير على ناقلة عملاقة حديثة مجهزة بأفضل التقنيات يبلغ الوزن الإجمالي لحمولتها حوالي 200 ألف طن؟!
هل توقيت الحادثة مجرد مصادفة؟ حيث لم تتعافى التجارة العالمية بعد من تأثير الإغلاق الناتج عن جائحة كورونا، ليأتي هكذا حادث ويغلق قناة السويس (شريان التجارة العالمية)؟!
وحتى بخصوص الموقع، فقد جنحت السفينة في جزء من قناة السويس يسمح بالمرور في اتجاه واحد فقط، مما يعني عدم تمكن سفن أخرى من العبور، فهل هذه أيضاً مصادفة؟!
أليست الهجمات السيبرانية قادرة على التسبب بمثل هذه الحوادث؟
ألا يعتبر إغلاق قناة السويس فرصة ذهبية للولايات المتحدة الأمريكية لتصدير النفط والغاز لأوروبا عبر المحيط الأطلسي؟
ألم تسعى الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات لتحقيق هذا المشروع بأهميته الاقتصادية والسياسية والعسكرية الضخمة، والسيطرة على سلعتين بهذه الأهمية الاستراتيجية لأوروبا؟
ألم تستفد روسيا من ارتفاع أسعار الغاز وزيادة الطلب عليه بعد تعطل ناقلات الغاز في قناة السويس؟
والسؤال الأكثر أهمية، ألم يجري الحديث في الأشهر الماضية عن ممر بديل لقناة السويس (طريق بحر الشمال)، وعاد الترويج له بكثرة بعد الحادثة وتقديمه كحل بديل؟!
ليس القصد من طرح هذه التساؤلات اتهام أي طرف، ولكن حدث بحجم إغلاق قناة السويس لا يمكن عدم الوقوف عنده، خاصةً مع وجود مستفيدين حقيقين من هذا الأمر، ومنهم دول كبرى وذات قدرات وإمكانات عالية.
الأيام القادمة سوف تجيب عن الكثير من التساؤلات، ومن غير المنطقي التسرع بإطلاق الأحكام، ولكن بالنظر لوضع المنطقة بشكل عام نعرف بأن الأمر خطير حتى وإن كانت حادثة إيفر غيفن من فعل الطبيعة وليست مقصودة أو مدبرة، فإن كانت عاصفة ترابية قادرة على إغلاق قناة السويس وإرباك التجارة العالمية لمدة زمنية غير معروفة، فما الذي يمكن أن تفعله الحروب؟
وإن كانت مصائب قوم عند قوم فوائدُ، ومصائب بعض الدول منفعة كبيرة لدول أكبر منها، فعندها يكون السؤال الأكثر خطورة وأهمية، هل يوجد قانون دولي حقيقي أو مجلس أمن فعال يضمن منع الدول الكبرى من افتعال الأزمات بهدف الاستفادة منها؟
وإن كان حدث بسيط مثل جنوح سفينة شحن، بإمكانه أن يحول العالم لطابور انتظار في ظل عدم وجود إمكانات وتجهيزات للتعامل الدولي السريع مع مثل هذه الأزمات، فكيف سيكون الحال مع الأزمات المستقبلية التي قد تكون أخطر وأشد؟!!
على ما يبدو فإن سباق التسلح وامتلاك أدوات الدمار الشامل تغطى على سباق التقدم وامتلاك أدوات الحل والسلام، وهذا بحد ذات أمر مقلق للغاية، خاصةً وأن عدم القدرة على التعامل السريع مع أزمة قناة السويس، هو فشل جديد يتم تسجيله للتقدم البشري بعد فشل التعامل الدولي المنظم مع جائحة كورونا، بغض النظر تماماً عن كون هذه الأزمات مدبرة أم طبيعية.